جوامع دعاء النبي

تعريف السنة النبوية الشريفة

اتفق علماء الشريعة على أن السنة مصدر للدين عقيدة وشريعة وأخلاقاً وآداباً وفضائل وعلوماً ومعارف، وتستمد منها الأحكام التكليفية الخمسة، فهي تأمر بالواجب، وتحضّ على المندوب، وترشد إلى المباح، وتحذر من المكروه، وتنهى عن الحرام، وهذا واضح في مصنفاتهم وعلومهم المتنوعة التي استنبطوها من السنة، وأسسوا أحكامهم عليها، وبنوا فقههم استناداً إليها.
يذكر الدكتور طه الدسوقي حبيشي في كتاب «السنة في مواجهة أعدائها»، أن العلماء عرَّفوا السنة لغة بأنها الطريقة المعبدة، والسيرة المتبعة، أو المثال المتبع، وجمعها سُنن، وذكروا أنها مأخوذة من قولهم: سنّ الماء إذا والى صبه. فشبهت العرب الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب فإنه لتوالي جريانه على نهج واحد يكون كالشيء الواحد، وفي الأساس: سن سنة حسنة، طرّق طريقة حسنة، واستن بسنته. وفلان متسنّن، عامل بالسنة، وقال ابن تيمية: السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة. قال تعالى: «قد خلت سنن من قبلكم فسيروا في الأرض» وقال النبي «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والاتباع هو الاقتفاء والاستنان.الطريقة والسيرة

وسنة النبي صلى الله عليه وسلم طريقته التي كان يتحراها وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته، نحو: «سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً» «ولن تجد لسنة الله تحويلاً».
وقال الجرجاني في التعريفات: السنة في اللغة الطريقة مرضية كانت أو غير مرضية، وفي الشريعة هي الطريقة المسلوكة في الدين في غير افتراض ولا وجوب، فالسنة ما واظب النبي عليها مع الترك أحياناً، فإن كانت المواظبة المذكورة على سبيل العبادة فسنن الهدى، وإن كانت على سبيل العادة فسنن الزوائد.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ما كان عليه هو وخاصة أصحابه عملاً وسيرة، وهذه السنة تعرف من الصحابة بالعمل والأخبار. كنحو: من السنة كذا، عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، ثم اصطلح المحدثون على تسمية كلام الرسول (حديثاً وسنة)، وقالوا: السنة تطلق في الأكثر على ما أضيف إلى النبي، من قول أو فعل أو تقرير.
ويقول محمد عجاج الخطيب في كتاب «السنة قبل التدوين»: السنة في اللغة السيرة حسنة كانت أو قبيحة، وفي الحديث: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». صحيح مسلم.

السنة في الشرع

والمراد بالسنة في الشرع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه، وندب إليه قولاً وفعلاً، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة، أي القرآن والحديث.
ويختلف معنى السنة في الشرع في اصطلاح المشرعين حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم، فهي عند الأصوليين غيرها عند المحدثين والفقهاء. ولذلك نرى مدلول معناها من خلال أبحاثهم. فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي، الذي أخبر عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة، وخلق، وشمائل، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا. وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة؛ ولذلك عنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها. وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تدل أفعاله على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع في أفعال العباد وجوباً، أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك.
مما تقدم يتلخص لدينا ما يلي: أن السنة في اصطلاح المحدثين هي: كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلقية أو خُلقية، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحنثه في غار حراء، أم بعدها.
والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي. والسنة في اصطلاح علماء أصول الفقه هي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي. وأما القول فهو أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات، فترتب على ذلك حكم شرعي. كقوله صلى الله عليه وسلم «لا وصية لوارث» وقوله «لا ضرر ولا ضرار» وقوله في زكاة الزروع «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً، وما سُقي بالنضح: نصف العشر». وقوله في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».

الأفعال والإقرار

وأما الفعل فهو أفعاله التي نقلها إلينا الصحابة، مثل أدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها، وأدائه صلى الله عليه وسلم مناسك الحج، وقضائه بالشاهد واليمين. وما إلى ذلك.
وأما الإقرار فكل ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم، مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال، بسكوت منه وعدم إنكار، أو بموافقته وإظهار استحسانه وتأييده، فيعتبر ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقة عليه صادراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمما صعيداً طيباً، فصليا ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة» وقال للآخر «لك الأجر مرتين».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى